فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

سورة مريم عليها السلام:
وهي مكية بإجماع. وهي تسعون وثمان آيات.
ولما كانت وقعة بدر، وقتل الله فيها صناديد الكفار، قال كفار قريش: إن ثأركم بأرض الحبشة، فأهدوا إلى النجاشي، وابعثوا إليه رجلين من ذوي رأيكم لعله يعطيكم من عنده من قريش، فتقتلونهم بمن قتل منكم ببدر؛ فبعث كفار قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعثهما، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري، وكتب معه إلى النجاشي، فقدم على النجاشي، فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين، وأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم، ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن، فقرأ سورة مريم {كهيعص} وقاموا تفيض أعينهم من الدمع، فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} وقرأ إلى قوله: {الشَّاهِدِينَ}. ذكره أبو داود. وفي السيرة؛ فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله شيء؟ قال جعفر: نعم؛ فقال له النجاشي: اقرأه علي. قال: فقرأ: {كهيعص} فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفتهم حتى أخضلوا لحاهم حين سمعوا ما يتلى عليهم؛ فقال النجاشي: هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما أبدا؛ وذكر تمام الخبر. اهـ.

.قال الألوسي:

سورة مريم:
المشهور تسميتها بذلك ورويت عن رسول الله فقد أخرج الطبراني وأبو نعيم والديلمي من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده قال: أتيت رسول الله عليه الصلاة والسلام فقلت: ولدت لي الليلة جارية فقال: «والليلة أنزلت علي سورة مريم» وجاء فيما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تسميتها بسورة كهيعص وهي مكية كما روي عن عائشة وابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم وقال مقاتل: هي كذلك إلا آية السجدة فإنها مدنية نزلت بعد مهاجرة المؤمنين إلى الحبشة وفي الإتقان استثناء قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} أيضا وهي عند العراقيين والشاميين ثمان وتسعون آية وعند المكيين تسع وتسعون وللمدنيين قولان ووجه مناسبتها لسورة الكهف اشتمالها على نحو ما اشتملت عليه من الأعاجيب كقصة ولادة يحيى وقصة ولادة عيسى عليه السلام ولهذا ذكرت بعدها وقيل: إن أصحاب الكهف يبعثون قبل الساعة ويحجون مع عيسى عليه السلام حين ينزل ففي ذكر هذه السورة بعد تلك مع ذلك إن ثبت ما لا يخفى من المناسبة ويقوي ذلك ما قيل أنهم من قومه عليه السلام وقيل غير ذلك. اهـ.

.قال الكَرْماني:

سورة مريم:
291- قوله: {ولم يكن جبارا عصيا (14)} وبعده {ولم يجعلني جبارا شقيا (32)} لأن الأول في حق يحيى وجاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم «ما من أحد من بني آدم إلا أذنب أو هم بذنب إلا يحيى ابن زكريا عليهما السلام» فنفى عنه العصيان والثاني في عيسى عليه السلام فنفى عنه الشقاوة وأثبت له السعادة والأنبياء عندنا معصومون عن الكبائر غير معصومين عن الصغائر.
292- قوله: {وسلام عليه يوم ولد (15)} في قصة يحيى {والسلام على (33)} في قصة عيسى فنكر في الأول وعرف في الثاني لأن الأول من الله تعالى والقليل منه كثير كما قال الشاعر:
قليل منك يكفيني ولكن ** قليلك لا يقال له قليل

ولهذا قرأ الحسن: {اهدنا صراطا مستقيما} أي نحن راضون منك بالقليل ومثل هذا في الشعر كثير قال:
وأني لراض منك يا هند بالذي ** لو أبصره الواشي لقرت بلابله

بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى ** وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله

والثاني من عيسى عليه السلام والألف واللام لاستغراق الجنس ولو أدخل عليه التسعة والعشرين والفروع المستحسنة والمستقبحة لم تبلغ عشر معشار سلام الله عليه. ويجوز أن يكون ذلك وحيا من الله عز وجل فيقرب من سلام يحيى. وقيل إنما دخل الألف واللام لأن النكرة إذا تكررت تعرفت وقيل نكرة الجنس ومعرفته سواء تقول لا أشرب ماء ولا أشرب الماء فهما سواء.
293- قوله: {فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا (37)} وفي حم الزخرف {فويل للذين ظلموا (65)} لأن الكفر أبلغ من الظلم وقصة عيسى في هذه السورة مشروحة وفيها ذكر نسبتهم إياه إلى الله تعالى حين قال: {ما كان لله أن يتخذ من ولد (35)} فذكر بلفظ الكفر وقصته في الزخرف مجملة فوصفهم بلفظ دونه وهو الظلم.
294- قوله: {وعمل صالحا (60)} وفي الفرقان: {وعمل عملا صالحا (70)} لأن في هذه السورة أوجز في ذكر المعاصي فأوجز في التوبة وأطال هناك فأطال. اهـ.

.قال ابن تيمية:

فصل:
سورة مريم مَضْمُونُهَا: تَحْقِيقُ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَأَنَّ خَوَاصَّ الْخَلْقِ هُمْ عِبَادُهُ فَكُلُّ كَرَامَةٍ وَدَرَجَةٍ رَفِيعَةٍ فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ وَتَضَمَّنَتْ الرَّدَّ عَلَى الْغَالِينَ الَّذِينَ زَادُوا فِي النِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ حَتَّى نَسَبُوا إلَيْهِ عِيسَى بِطَرِيقِ الْوِلَادَةِ وَالرَّدِّ عَلَى الْمُفْرِطِينَ فِي تَحْقِيقِ الْعِبَادَةِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْكَرَامَةِ وَجَحَدُوا نِعَمَ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ الْمُصْطَفِينَ. افْتَتَحَهَا بِقَوْلِهِ: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} وَنِدَائِهِ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا وَمَوْهِبَتِهِ لَهُ يَحْيَى ثُمَّ قِصَّةِ مَرْيَمَ وَابْنِهَا وَقَوْلِهِ: {إنِّي عَبْدُ اللَّهِ}.... إلخ. بَيَّنَ فِيهَا الرَّدَّ عَلَى الْغُلَاةِ فِي الْمَسِيحِ وَعَلَى الْجُفَاةِ النَّافِينَ عَنْهُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِذِكْرِ إبْرَاهِيمَ وَمَا دَعَا إلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَنَهْيِهِ إيَّاهُ عَنْ عِبَادَةِ الشَّيْطَانِ وَمَوْهِبَتِهِ لَهُ إسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا وَهُوَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ وَأَخْبَرَ عَنْ يَحْيَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ مَعَ التَّوْحِيدِ وَذَكَرَ مُوسَى وَمَوْهِبَتَهُ لَهُ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا كَمَا وَهَبَ يَحْيَى لِزَكَرِيَّا وَعِيسَى لِمَرْيَمَ وَإِسْحَاقَ لِإِبْرَاهِيمَ. فَهَذِهِ السورة سُورَةُ الْمَوَاهِبِ وَهِيَ مَا وَهَبَهُ اللَّهُ لِأَنْبِيَائِهِ مِنْ الذُّرِّيَّةِ الطَّيِّبَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ ثُمَّ ذَكَرَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ لِأَجْلِ إدْرِيسَ {وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} وَهُوَ إبْرَاهِيمُ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. ثُمَّ قَالَ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} الْآيَةُ. فَهَذِهِ حَالُ الْمُفَرِّطِينَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ ثُمَّ اسْتَثْنَى التَّائِبِينَ وَبَيَّنَ أَنَّ الْجَنَّةَ لِمَنْ تَابَ وَأَنَّ جَنَّاتِ عَدْنٍ وَعَدَهَا الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ وَهُمْ أَهْلُ تَحْقِيقِ الْعِبَادَةِ ثُمَّ قَالَ: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} ثُمَّ قَالَ: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ}. ثُمَّ ذَكَرَ حَالَ مُنْكِرِي الْمَعَادِ وَحَالَ مَنْ جَعَلَ لَهُ الْأَوْلَادَ وَقَرَنَ بَيْنَهُمَا فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: {كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ} الْحَدِيثُ. {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} ثُمَّ ذَكَرَ إقْسَامَهُ عَلَى حَشْدِهِمْ وَالشَّيَاطِينِ وَإِحْضَارِهِمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ خَبَرٍ يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقَيْنِ: إمَّا اطِّلَاعُهُ عَلَى الْغَيْبِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِمَا سَيَكُونُ؛ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا وَاَللَّهُ مُوفٍ بِعَهْدِهِ فَالْأَوَّلُ عِلْمٌ بِالْخَبَرِ وَالثَّانِي عِلْمٌ بِالْأَمْرِ. الْأَوَّلُ عِلْمٌ بِالْكَلِمَاتِ الْكَوْنِيَّةِ وَالثَّانِي عِلْمٌ بِالْكَلِمَاتِ الدِّينِيَّةِ وَهَذَا الَّذِي أَقْسَمَ أَنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْمَعَادِ مَا ذَكَرَ كَاذِبٌ فِي قَسَمِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى الْغَيْبِ وَلَا اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا. وَهَذَا كَمَا قِيلَ فِي إجَابَةِ الدُّعَاءِ: أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ لِصِحَّةِ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ مُطَابَقَةُ الْخَبَرِ وَتَارَةً لِكَمَالِ الطَّاعَةِ وَهُوَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي}. فَذَكَرَ حَالَ مَنْ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْبَاطِلَ بِلَا عِلْمٍ بِالْوَاقِعِ وَلَا اتِّخَاذِ عَهْدٍ بِالْمَشْرُوعِ. ثُمَّ ذَكَرَ حَالَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا فَنَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ أَثْبَتَهَا وَأَثْبَتَ الْمَوَدَّةَ رَدًّا عَلَى مَنْ أَنْكَرَهَا فَقَالَ: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} أَيْ يُحِبُّهُمْ؛ وَيُحَبِّبُهُمْ إلَى عِبَادِهِ وَقَدْ وَافَقَ ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبَّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ». وَقَالَ فِي الْبُغْضِ عَكْسَ ذَلِكَ. وَفِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ: {إنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} وَقَوْلِهِ فِي مُوسَى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} وَمَا ذَكَرَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْمَوَدَّةِ: إثْبَاتٌ لِمَا يُنْكِرُهُ الْجَاحِدُونَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَتَكْلِيمِهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ نَفْيٌ لِمَا يُثْبِتُهُ الْمُفْتَرُونَ مِنْ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ.
سُئِلَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} هَلْ ذَلِكَ فِيمَنْ أَضَاعَ وَقْتَهَا فَصَلَّاهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا أَمْ فِيمَنْ أَضَاعَهَا فَلَمْ يُصَلِّهَا وقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} هَلْ هُوَ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ أَوْ السَّهْوِ فِيهَا كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ صَلَاةِ الغفلة الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ مِنْ صَلَاتِهِمْ شَيْئًا؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
فَأَجَابَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بَلْ الْمُرَادُ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَنْ أَضَاعَ الْوَاجِبَ فِي الصَّلَاةِ لَا مُجَرَّدَ تَرْكِهَا هَكَذَا فَسَّرَهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} فَأَثْبَتَ لَهُمْ صَلَاةً وَجَعَلَهُمْ سَاهِينَ عَنْهَا فَعُلِمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ السَّهْوِ عَنْهَا وَقَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: بَلْ هُوَ السَّهْوُ عَمَّا يَجِبُ فِيهَا مِثْلَ تَرْكِ الطُّمَأْنِينَةِ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ حَقٌّ وَالْآيَةُ تَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا». فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الْمُنَافِقِ تَشْتَمِلُ عَلَى التَّأْخِيرِ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي يُؤْمَرُ بِفِعْلِهَا فِيهِ وَعَلَى النَّقْرِ الَّذِي لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ إلَّا قَلِيلًا وَهَكَذَا فَسَّرُوا قَوْلَهُ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} بِأَنَّ إضَاعَتَهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا وَإِضَاعَةُ حُقُوقِهَا وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ بِطُهُورِهَا وَقِرَاءَتِهَا وَسُجُودِهَا- أَوْ كَمَا قَالَ- صَعِدَتْ وَلَهَا بُرْهَانٌ كَبُرْهَانِ الشَّمْسِ تَقُولُ لَهُ: حَفِظَك اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَنِي وَإِذَا لَمْ يُتِمَّ طُهُورَهَا وَقِرَاءَتَهَا وَسُجُودَهَا- أَوْ كَمَا قَالَ- فَإِنَّهَا تَلُفُّ كَمَا يَلُفُّ الثَّوْبُ وَتَقُولُ لَهُ: ضَيَّعَك اللَّهُ كَمَا ضَيَّعْتنِي» قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: الصَّلَاةُ مِكْيَالٌ مَنْ وَفَّى وُفِّيَ لَهُ وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قَالَ فِي الْمُطَفِّفِينَ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَمَّارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْعَبْدَ لَيَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ إلَّا نِصْفُهَا إلَّا ثُلُثُهَا إلَّا رُبُعُهَا إلَّا خُمُسُهَا إلَّا سُدُسُهَا إلَّا سُبُعُهَا إلَّا ثُمُنُهَا إلَّا تُسْعُهَا إلَّا عُشْرُهَا». وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوِسْوَاسُ فِي صِلَاتِهِ هَلْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ. لَكِنَّ الْأَئِمَّةَ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى التَّأْذِينَ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ فَإِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ فَيَقُولَ: اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يُضِلَّ الرَّجُلَ لَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ». فَقَدْ عَمَّ بِهَذَا الْكَلَامِ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِالْإِعَادَةِ.
والثَّانِي عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ: مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ وَغَيْرِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ مِنْهَا إلَّا عُشْرُهَا. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ إلَّا بِقَدْرِ الْحُضُورِ؛ لَكِنْ ارْتَفَعَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا تَارِكُ الصَّلَاةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِهَا أَيْ: لَا يُعَاقَبُ عَلَى التَّرْكِ لَكِنَّ الثَّوَابَ عَلَى قَدْرِ الْحُضُورِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ لَك مِنْ صَلَاتِك إلَّا مَا عَقَلْت مِنْهَا فَلِهَذَا شُرِعَتْ السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ جَبْرًا لِمَا يَحْصُلُ مِنْ النَّقْصِ فِي الْفَرَائِضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.

.قال أبو عمرو الداني:

سورة مريم مكية وقد ذكر نظيرتها في المدني الأخير والمكي ولا نظير لها في غيره وكلمها تسع مئة واثنتان وستون كلمة وحروفها ثلاث آلاف وثماني مئة وحرفان وهي تسعون وتسع آيات في المدني الأخير والمكي وثمان في عدد الباقين اختلافها ثلاث آيات {كهيعص} عدها الكوفي ولم يعدها الباقون {في الكتاب} إبراهيم عدها المدني الأخير والمكي ولم يعدها الباقون {فليمدد له الرحمن مدا} لم يعدها الكوفي وعدها الباقون وفيها مما يشبه الفواصل وليس معدودا بإجماع أربعة مواضع:
{واشتعل الرأس شيبا}، {وقري عينا}، {الذين اهتدوا هدى}، {به المتقين}.
ورءوس الآي:
{زكريا}.
2- {خفيا}.
3- {شقيا}.
4- {وليا}.
5- {رضيا}.
5- {سميا}.
7- {عتيا}.
8- {شيئا}.
9- {سويا}.
10- {وعشيا}.
11- {صبيا}.
12- {تقيا}.
13- {عصيا}.
14- {حيا}.
15- {شقيا}.
16- {سويا}.
17- {تقيا}.
18- {زكيا}.
19- {بغيا}.
20- {مقضيا}.
21- {قصيا}.
22- {منسيا}.
23- {سريا}.
24- {جنيا}.
25- {إنسيا}.
26- {فريا}.
27- {بغيا}.
28- {صبيا}.
29- {نبيا}.
30- {حيا}.
31- {شقيا}.
32- {حيا}.
33- {يمترون}.
34- {فيكون}.
35- {مستقيم}.
36- {عظيم}.
37- {مبين}.
38- {لا يؤمنون}.
39- {يرجعون}.
40- {إبراهيم}.
- {جندا}.
75- {مردا}.
76- {وولدا}.
77- {عهدا}.
78- {مدا}.
79- {فردا}.
80- {عزا}.
81- {ضدا}.
82- {أزا}.
83- {عدا}.
84- {وفدا}.
85- {وردا}.
86- {عهدا}.
87- {ولدا}.
88- {إدا}.
89- {هدا}.
90- {ولدا}.
91- {ولدا}.
92- {عبدا}.
93- {عدا}.
94- {فردا}.
95- {ودا}.
96- {لدا}.
97- {ركزا}. اهـ.